الإنسان السوبر هو إنسان يعلم كل شيء، لا يخطي أبدا، هو قوي دائمًا، سعيد دائمًا، ناجح دائمًا، محبوب دائمًا..إنه النموذج المثالي الذي تتجه له كل النظار وتحلم بأن تشبهه!
تبدأ مهمة الوالدين المقدسة بأن تعلّم أولاها نموذج (الإنسان السوبر) وتدفعهم بكل ما أوتوا من قوة بأن يصبحوا الإنسان السوبر!
فالأطفال غير مسموح لهم أن يخطئوا، غير مسموح لهم أن يرتكبوا الحماقات أو يسألوا أسئلة ساذجة، غير مسموح لهم أن يرسبوا في الدراسة أو حتى يكونوا في المركز الثاني على الفصل، فالإنسان السوبر يكون دائمًا في المركز الأول.
يكبر الأطفال قليلًا وقد تمت برمجتهم أنهم ليسوا “الإنسان السوبر” وأنهم أقل من غيرهم، وأنهم يخطئوا لأنهم أغبياء، وأنهم لن يحصلوا أبدا على حب والديهم… فتتلاشي ضحكاتهم و تنطفي عيونهم!
يبدأ سن المراهقة وصراعاته…قوة شبابهم تعيد لهم الأمل بأن يكونوا الإنسان السوبر، فيجتهدوا أكثرو أكثر في اثبات أنفسهم لكنهم يواجهوا السخرية والنقد من الجميع بدءَا من الوالدين.
أنت لست بذكاء “فلان” فلا تتحدث بهذه الثقة! أنتِ لستِ بجمال “فلانه” فلا تخدعي نفسك!
تتحطم ثقة الشاب والشابة بأنفسهم و قد ارتدوا نظارة سوداء تحجب عنهم رؤية مميزاتهم ونقاط قوتهم، وتَمرض النفس فتجلس وحيدة، تعيسة بلا أمل…
يختار الوالدين لأولادهم الطريق …الدراسة، العمل ثم الزواج وربما عدد الأطفال أيضا، ولم لا وقد عرف الأولاد الآن الحقيقة المرعبة وهى انهم ليسوا “سوبر إنسان”، وبذلك … فهم غير قادرين على التفكير السليم، غير قادرين على الاختيار الصحيح، غير قادرين على رؤية الأفضل لهم وبالتالي على الوالدين “السوبر” أن يدعمنهم ويفكروا ويقرروا بدلا منهم في محاولة لأن يحصل أطفالهم ولو على قدر ضئيل من احترام المجتمع، وألا يفتضح أمرهم بأنهم ليسوا “الإنسان السوبر”.
يسير الأولاد في طريقهم – الذي رُسم لهم- وقد تبلدت مشاعرهم شيئا فشيئا وصدأ عقلهم وتاه دليلهم.
يسيروا بخطوات ثقيلة، كئيبة تنسجم مع خطوات من حولهم ليحصلوا أخيرًا على ختْم”متكيف”!
إنها تلك الرحلة التي يجب أن يسيرها كل إنسان في مجتمعنا.
رحلة تدمير الذات و تحقيرها، رحلة الابتعاد عن حقيقته والتمسك بوهم “الانسان السوبر”.
إن الله قد خلقنا مختلفين، خلق لكل منا ميزاته ونقاط قوته إلى جانب نقاط ضعفه، فلماذا هذا الهوس بأن نكون متشابهين؟
لماذا هذا الذعر من ارتكاب الأخطاء؟ وكيف اذاً يتعلم الإنسان؟
إنه يتعلم بالتجربة، والتجربة تعنى احتمال الخطأ، والخطأ يعنى تعلّم الصواب.
إن نموذج “الانسان السوبر” قد قضى على سعادتنا وتقديرنا لأنفسنا واستمتاعنا بناجحتنا.
علينا أن ننهى الآن عمليات التعذيب المستمرة لأولادنا، علينا أن نراهم و نفهمهم ونقبلهم ونشجعهم، علينا أن نفهم أننا بنقدهم الدائم نحطّم العمود الفقري لشخصيتهم والذي هو ثقتهم بأنفسهم.
علينا ان نفهم أننا نحولهم من إنسان ناجح إلى إنسان فاشل بطرح هذا النموذج الوهمي المجنون “الإنسان السوبر”
إن المشكلة الحقيقية بمجتمعنا تكمن فينا …فى قدرتنا الكبيرة على هدم الآخرين، على عدم تقبّل الاختلاف بل ومحاربته، على عدم احترام ضعفنا وضعف الآخرين.
إنها لعنه يتوارثها جيل بعد جيل، أفكار مسممة تقتل كل جديد، كل حياه تنبض بداخلنا و مشاعر تمت إهانتها فعادت لتنتقم بتجاهل و تحقيرمشاعر الآخرين.
لقد صار الوطن حلبة صراع وانتقام وكل هذا من أجل هذا الفيروس المسمى “الإنسان السوبر”!
لقد آن الأوان أن ننظر في المرآه وأن نقول بثقة…أنا إنسان وفقط!
من حقى أن أخطي، من حقي أن أضعف، من حقي أن أجرّب، ومن حقى أن أسعد بنجاحاتي ولو صغيرة، من حقي أن أكون نفسي ولا أشبه أحد، من حقي أن يحترم الجميع اختياراتي ولو كانت تبدو سخيفة بالنسبة لهم، من حقي أن أحب نفسي كما أنا…
وعندما نتقبل أنفسنا سنفهمها وستهدأ صراعتنا وينتهي غضبنا لتنطلق أرواحنا مستمتعه بحريتها وقد امتلأت بالثقة على قدرتها بفعل المستحيل…
رانيا رفعت